جلاب الهوي من الفصل الاول حتي السابع بقلم رضوى جاويش

موقع أيام نيوز

يبدو شاسع الاتساع من موضعها 
تقدمت الى السور الخارجي لترى منظر لم و لن ترى في روعته تلك السفوح السمراء البعيدة و كأنها ايادى لذاك الجبل العتيد تحتضن النعمانية الى صدره الحجرى الصلد ويمر بين شطريها ترعة كبيرة نسبيا هى احد روافد النيل
الذي أنعمت به الطبيعة على النعمانية لتصبح قطعة من النعيم بحق مع ذاك اللون الأخضر المنتشر هنا و هناك و كأنه خضاب عروس في ليلة حنتها استمعت للغناء وهي منتشية لا تستطيع تمييز الكلمات ولا معانيها لكنها ترى رجال ونساء هناك في عدد من غيطان القصب القريبة نوعا ما يترنمون بما يصلها من أنغام في تلك اللحظة السحرية من الصفاء و السكون الذى تعيشه 
نظرت للارتفاع الشاهق للبيت الكبير والمندرة بالتبعية جمعت شعرها الغجرى من خلف ظهرها للأمام في اتجاه كتفها وتخيلت انها تدليه من موضعها و قفز الى فكرها خاطر هل احتفظت بشعرها بهذا الطول ربما يتحقق الحلم و يكون شعرها و سيلة الفارس الذى حلمت به طويلا في الصعود اليها في سجن حياتها الرتيبة اڼفجرت ضاحكة لهذا الخاطر ضحكة صافية رنانة تشبه ذاك الصباح الدافئ و تلك الأشعة البكر للشمس المتسللة من خلف غيوم الليلة الماضية ضحكة طازجة منتشية جعلت ذاك المضجع في سلام على احدى الأرائك الموضوعة تحت السور المشترك المرتفع بينهما يقفز فزعا وهو يعتقد انه يتهئ ضحكاتها الوثابة 
انتفض بكل قوته ليتطلع لمصدر الضحكات حتى يتأكد انه لا يهزي ولم يصبه الجنون بعد جراء ثلاث ليال وأربعة ايام لم يطالع محياها فيهم ايام عجاف 
تسمرت عيناه على ما تفعله بشعرها وهي تدليه من فوق السور ضاحكة وجن جنونه 
همس في تضرع هونها يا رب 
كان على استعداد ليقف عمره كله يتطلع اليها في موضعها بهذا الشكل الساحر الذى يفقده صوابه لكنه لم يحتمل المزيد وغض الطرف متنحنا وهو يستشعر انه يخرق عزلتها المقدسة 
انتفضت هى في ذعر و خبأت شعرها أسفل مئزرها و اعادت احكام حجابها خلف رقبتها هامسة في احراج عفيف بيه ! 
تنحنح من جديد رغبة في تصفية صوته المتحشرج دوما تأثرا لمرأها هاتفا حمدالله بالسلامة يا داكتورة جلجتينا عليك 
ابتسمت في رقة الله يسلمك تعبتكم معايا انت و الخالة وسيلة 
هتف معترضا متجوليش كده المهم انك بخير 
ثم استطرد عاتبا برقة غير معتادة على مسامعها وهو يتوجه للسور الخارجي للسطح يقف في مواجهة الجبل البعيد كأنه يناطحه بس انت ايه اللى خلاك تطلعي هنا و انت لساتك تعبانة ! 
ابتسمت و هي تتطلع بدورها للبعيد هامسة الغنا ده هو اللي طلعني الصراحة جميل برغم اني مش فاهمة هما بيقولوا ايه بس واصلني إحساس الفرحة فيه قووي 
تطلع اليها في تعجب لحظي ثم ابتسم ابتسامة من احدى تلك الابتسامات النادرة الظهور على ذاك الفك الصلب والتي تحرك شيء ما داخلها لا تعرف كنهه هاتفا احساسك ف محله يا داكتورة ده موسم كسر الجصب ودايما مواسم الحصاد مرتبطة عندينا كصعايدة او حتى الفلاحين ف بحرى بالافراح بنستنوا الحصاد عشان نتچوز او نچوزوا عيالنا الاغنية دي مرتبطة بالفرح مع موسم كسر الجصب والخير اللي هاياچي من وراه 
انتبهت لكل كلمة قالها وكأنها تعويذة سحرية ينطق بها نطقها بحب واعتزاز لتلك الأرض التي تحمل عرق جده و رفاته و ستضم رفات أبناء النعمانية جميعا من بعده اشارت لغيط القصب حيث يجتمع الرجال لكسره هاتفة طب هم بيعملوا ايه دلوقتى وايه عربيات السكة الحديد اللى بتمر دي ! 
ابتسم مؤكدا دي مش عربيات سكك حديد دى عربيات مصنع السكر بيچمع الجصب عشان يروح ع المصنع و الباجي يطلعوا بيه ع العصارة 
ثم أشار لبناية عتيقة على أطراف الأرض البعيدة هاتفا شايفة المبنى الملون اللي على طرف الارض ده ! هى دي العصارة دي بنودوا فيها چزء من الجصب عشان نعملوا منيه العسل الأسود اكيد دجتيه حتى من جبل ما تاچي هنا ! 
أكدت بابتسامة صبت في دمه ملايين اللترات من العسل المصفى وهي تهتف اه مفيش احلى منه بالذات مع الفطير المشلتت من أيد الخالة وسيلة 
اڼفجر ضاحكا على غير العادة هاتفا واضح انك چعانة يا داكتورة و نفسك مفتوحة تعوضي الأيام اللى فاتتك من فطير الخالة وسيلة 
قهقهت بدورها ولم تعقب للحظات وأخيرا هتفت مستفسرة مشيرة لغيط القصب ها و ايه اللى بيحصل بعد كده ف العصارة ! 
أكد بهدوء خلاص كده طلع العسل و مبجيش الا الچلاب 
هتفت متعجبة جلاب ! يعنى ايه ! 
ابتسم متطلعا اليها و هو يقترب من السور المشترك بينهما الچلاب ده حلاوة بنعملوها من بواجى السكر شكلها مخروطي و لونها مايل للخضار شوية و 
صمت فتطلعت اليه مستفسرة لتجده مترددا ثم مد كفه الى جيب جلبابه ليخرج لها ورقة ملفوفة فضها أمامها هامسا هو ده 
مدت كفها اليه متطلعة في تعجب لذاك القمع المخروطى العسلى اللون ثم
استأذنت في فضول ممكن ادوقه ! 
أكد بايماءة من رأسه فقضمت قطعة صغيرة لتهتف مستمتعة ده حلو قووى 
أكد في سعادة مقهقها ما هو كله سكر مش جصب 
اعادت اليه قطعة الجلاب و التي تردد في اخذها لكنه أخيرا مد كفه و أخذها يطويها و يقذف بها من جديد في جوف جيبه 
سألت في أريحية متهورة طب و حضرتك محتفظ بيه ليه في جيبك ! 
غامت ملامحه للحظات و طلت من عينيه نظرة حزن عميقة شرخت وعاء البهجة الذى كان يحتوي روحها منذ دقائق ندمت انها سألت و لو كان بإمكانها استرجاع الزمن لثوان حتى تعقل كلماتها قبل طرحها لفعلت اتقاء لنظرة الحزن الدفين المطلة من عينيه والتي اربكتها كليا 
لكنه للعجب أجابها يمكن عشان الچلاب ده الحاچة الوحيدة اللي بتفكرنى بأمى الله يرحمها 
صمت ثقيل شملهما للحظات حتى استطرد هو بنفس الصوت الموجوع لما كانت بتكون عوزانى اعمل حاچة و انا مرضيش تجولي اعملها وانا اچيب لك چلاب 
ابتسم بغصة مستكملا حديثه المعجون بالشجن وكان ردي عليها مش عايز هخلي چدي يچبلي م العصارة لو اني واعي لحالي دلوجت بعد فراجها لكنت چريت عليها خدت كل الچلاب اللي كانت بتعطيهولي بيدها مش عشان أكله لاااه عشان اخبيه بين ضلوعي واطلعله بعد ما غابت ومعدش بجي خلاص في چلاب تانى من يدها 
شعرت بمرارة كلماته المغموسة بالشوق الڤاضح لأمه و شعرت بنفس الغصة وهي التي فقدتها و تشاركه نفس المصاپ ونفس الألم الحي الذى لا يندمل ابدا بفراقها 
كادت ان تطفر الدموع من عينيها تأثرا لكنها كانت اكثر وعيا لتدرك انه لن يستطيب تعاطفها وربما يندم على ما أطلعها عليه من اسرار دفينة تعد سبق لم يحدث و ربما لن يتكرر لذا ابتلعت دموعها وهتفت بلهجة حاولت إكسابها بعض من مرح طب قبل ما ننزل نفطر عشان انا فعلا جعت قووى سؤال أخير 
ابتسم و تغيرت الملامح الخشنة من جديد لتصبح ألطف و ارق اتفضلي اسألي 
اشارت من جديد للغناء الذي كان على أشده بالأسفل هاتفة في فضول هما بيغنوا يقولوا ايه ! 
عاد من جديد يتطلع للمشهد الساحر أمامه وتغيرت

فجأة نبرة صوته لتصبح اكثر دفئا هامسا منغما كلماته يخبرها كلمات الاغنية الدائرة بالأسفل 
يابو اللبايش يا جصب 
عندينا فرح و أتنصب 
چابوا الخلخال على كدها
نزلت تفرچ عمها 
جال يا حلاوة شعرها 
يسلم عيون اللي خطب 
يابواللبايش يا جصب 
عندينا فرح و أتنصب 
جابوا الجميص على كدها
نزلت تفرچ عمها 
جال يا حلاوة شعرها 
تسلم عيون اللى خطب 
وصمت فجأة ليتطلع اليها ليجدها في عالم اخر مبهورة بما تسمعه من كلمات بصوت ذاك الذى ظنت يوما ما انه رجل عتيد القسۏة لا يعرف الا لغة القوة 
سأل مستفسرا عندما طال صمتها و شرودها عچبتك ! 
هتفت منتفضة لسؤاله جميلة قووى 
أكد متنحنحا في احراج أغاني فلكلور جديمة بتهون ع العمال التعب و بعدين هو في حد بيلبس خلخال عندينا ف الصعيد دلوجت ! 
هتفت في تحسر طفولى متهور خسارة ده انا كان نفسى ف واحد 
لم يعقب بل شملها بنظرة لم تعرف لها تفسيرا و أخيرا هتف بجدية اشوفك ع الفطور يا داكتورة زمان خالة وسيلة حضرته و بدور علينا بعد إذنك وحمدالله بالسلامة مرة تانية 
اندفع باتجاه الباب المفضى للداخل ليختفى في لحظات حتى ظنت انه ما كان موجود هاهنا من الأساس و كانها كانت تحادث طيفه و ليس عفيف النعمانى بشحمه ولحمه 
ظهر صفوت بين رجال النعمانية الذين اجتمعوا كعادتهم في مندرة الشونة الملحقة بالاسطبلات و المقامة على الهضبة المرتفعة القائم على جنباتها بيت النعمانى الكبير و الملاصقة له تقريبا ليهتف في نبرة حاول ان يغلفها بالهدوء رغم ما كانت تنضح به من توعد للمرة التانية يا عفيف اهااا بتجدم لك جصاد رچالة النعمانية كلهم و بطلب يد اختك ايه جولك ! 
على الرغم من الاضطراب الذى أعتمل داخل نفسه و توتره الذي عربد بجنبات روحه الا انه ظل رابط الجأش لم تظهر على ملامحه الحادة ما يثير اى شك في دواخل نفسه التي تناقض مظهره الخارجي الحازم المعتاد 
بل انه هتف بنبرة مسيطرة غير قابلة للنقاش هي جصة ابوزيد و هنحكوها ع الربابة يا صفوت !! ما جلنا انها مش موچودة ولسه مارچعتش من عند بت خالتها ف المنصورة لما ترچع بالسلامة يبجى لينا حديت تانى ف الموضوع ده 
هتف صفوت في تعجل و ايه فيه كانت موچودة و لا لااه هتفرج ايه هي هيكون ليها رأى بعد رأيك !! و بعدين هي راحت فين يعنى !! اروبااا ما تبعت لها تاچي 
اندفع عفيف ناهضا في ثورة هاتفا
بصوت جهورى هز أركان المكان وجعل صفوت يبتلع لسانه في خوف بجولك ايه يا صفوت اني جلت كلمتي و بمردهاش بعد ما ترچع نتكلموا و ساعتها اني هجولك رأيي جبل كده معدش ينفتح الموضوع ده تاني 
نظر صفوت لرجال النعمانية حوله لعله يتلقى الدعم من احدهم لكن لا صوت يعلو فوق صوت عفيف الذى عندما يزأر تنكمش أشباه الأسود في مواضعها معلنة الولاء و الطاعة 
دخلت عليها الخالة وسيلة هاتفة في حماسة انت لساتك نايمة يا داكتورة و النسوان برة بيسألوا عليك ! 
انتفضت دلال من موضعها تتطلع للخالة وسيلة في صدمة هاتفة نسوان ! نسوان مين ! 
فما عاد هناك من احد يأتيها بعد ان منع الرجال نساءهم من المجئ
تم نسخ الرابط